سورة الزخرف - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزخرف)


        


{بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاءِ وَآبَاءَهُمْ} يعني: المشركين في الدنيا، ولم أعاجلهم بالعقوبة على الكفر، {حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ} يعني القرآن، وقال الضحاك: الإسلام. {وَرَسُولٌ مُبِينٌ} يبين لهم الأحكام وهو محمد صلى الله عليه وسلم، وكان من حق هذ الإنعام أن يطيعوه، فلم يفعلوا، وعصوا.
وهو قوله عز وجل: {وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ} يعني القرآن، {قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ}. {وَقَالُوا لَوْلا نزلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} يعنون الوليد بن المغيرة من مكة، وعروة بن مسعود الثقفي بالطائف، قاله قتادة.
وقال مجاهد: عتبة بن ربيعة من مكة، وابن عبد ياليل الثقفي من الطائف.
وقيل: الوليد بن المغيرة من مكة، ومن الطائف: حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي. ويروى هذا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. قال الله تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ} يعني النبوة، قال مقاتل يقول: بأيديهم مفاتيح الرسالة فيضعونها حيث شاؤوا؟ ثم قال: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} فجعلنا هذا غنيًا وهذا فقيرًا وهذا ملكًا وهذا مملوكًا، فكما فضلنا بعضهم على بعض في الرزق كما شئنا، كذلك اصطفينا بالرسالة من شئنا.
{وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} بالغنى والمال، {لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} ليستخدم بعضهم بعضًا فيسخر الأغنياء بأموالهم الأجراء الفقراء بالعمل، فيكون بعضهم لبعض سبب المعاش، هذا بماله، وهذا بأعماله، فيلتئم قوام أمر العالم. وقال قتادة والضحاك: يملك بعضهم بمالهم بعضًا بالعبودية والملك. {وَرَحْمَةُ رَبِّكَ} يعني الجنة، {خَيْرٌ} للمؤمنين، {مِمَّا يَجْمَعُونَ} مما يجمع الكفار من الأموال.
{وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} أي: لولا أن يصيروا كلهم كفارًا فيجتمعون على الكفر، {لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ} قرأ ابن كثير، وأبو جعفر، وأبو عمرو: {سقفا} بفتح السين وسكون القاف على الواحد، ومعناه الجمع، كقوله تعالى: {فخر عليهم السقف من فوقهم} [النحل- 26]، وقرأ الباقون بضم السين والقاف على الجمع، وهي جمع سقف مثل: رهن ورهن، قال أبو عبيدة: ولا ثالث لهما. وقيل: هو جمع سقيف. وقيل: جمع سقوف جمع الجمع. {وَمَعَارِجَ} مصاعد ودرجًا من فضة، {عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} يعلون ويرتقون، يقال: ظهرت على السطح إذا علوته.
{وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا} من فضة، {وَسُرُرًا} أي: وجعلنا لهم سررًا من فضة، {عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ}.
{وَزُخْرُفًا} أي وجعلنا مع ذلك لهم زخرفًا وهو الذهب، نظيره: {أو يكون لك بيت من زخرف} [الإسراء- 93]، {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} قرأ حمزة وعاصم: {لما} بالتشديد على معنى: وما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا فكان: {لما} بمعنى إلا وخففه الآخرون على معنى: وكل ذلك متاع الحياة الدنيا، فيكون: {إن} للابتداء، و{ما} صلة، يريد: إن هذا كله متاع الحياة الدنيا يزول ويذهب، {وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} خاصة يعني الجنة.
أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي، أخبرنا أبو العباس عبد الله بن محمد بن هارون الطيسفوني، أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد الترابي، أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عمر بن بسطام، أخبرنا أحمد بن سيار القرشي، حدثنا عبد الرحمن بن يونس أبو مسلم، حدثنا أبو بكر بن منظور، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها قطرة ماء».
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة، أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث، أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي، أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمد بن إبراهيم بن عبد الله الخلال، أخبرنا عبد الله بن المبارك، عن مجالد بن سعيد، عن قيس بن أبي حازم، عن المستورد ابن شداد أخي بني فهر قال: كنت في الركب الذين وقفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على السخلة الميتة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أترون هذه هانت على أهلها حين ألقوها»؟ قالوا: من هوانها ألقوها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فالدنيا أهون على الله من هذه على أهلها».


قوله عز وجل: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ} أي يعرض عن ذكر الرحمن فلم يخف عقابه، ولم يرج ثوابه، يقال: عشوت إلى النار أعشو عشوًا، إذا قصدتها مهتديًا بها، وعشوت عنها: أعرضت عنها، كما يقول: عدلت إلى فلان، وعدلت عنه، وملت إليه، وملت عنه. قال القرظي: يولي ظهره عن ذكر الرحمن وهو القرآن. قال أبو عبيدة والأخفش: يظلم بصرف بصره عنه. قال الخليل بن أحمد: أصل العشو النظر ببصر ضعيف. وقرأ ابن عباس: {ومن يعش} بفتح الشين أي يعم، يقال عشى يعشى عشًا إذا عمي فهو أعشى، وامرأة عشواء. {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا} قرأ يعقوب: {يقيض} بالياء، والباقون بالنون، نسبب له شيطانًا ونضمه إليه ونسلطه عليه. {فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} لا يفارقه، يزين له العمى ويخيل إليه أنه على الهدى.
{وَإِنَّهُمْ} يعني الشياطين، {لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} أي ليمنعونهم عن الهدى وجمع الكناية لأن قوله: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانًا} في مذهبٍ جمعٌ وإن كان اللفظ على الواحد، {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} ويحسب كفار بني آدم أنهم على الهدى.


{حَتَّى إِذَا جَاءَنَا} قرأ أهل العراق غير أبي بكر: {جاءنا} على الواحد يعنون الكافر، وقرأ الآخرون: جاءانا، على التثنية يعنون الكافر وقرينه، جعلا في سلسلة واحدة. {قَالَ} الكافر لقرينه الشيطان: {يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ} أي بعد ما بين المشرق والمغرب فغلب اسم أحدهما على الآخر كما يقال للشمس والقمر: القمران، ولأبي بكر وعمر: العمران. وقيل: أراد بالمشرقين مشرق الصيف ومشرق الشتاء، والأول أصح، {فَبِئْسَ الْقَرِينُ} قال أبو سعيد الخدري: إذا بعث الكافر زوج بقرينه من الشياطين فلا يفارقه حتى يصير إلى النار.
{وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ} في الآخرة، {إِذْ ظَلَمْتُمْ} أشركتم في الدنيا، {أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} يعني لا ينفعكم الاشتراك في العذاب ولا يخفف الاشتراك عنكم شيئًا من العذاب، لأن لكل واحد من الكفار والشياطين الحظ الأوفر من العذاب. وقال مقاتل: لن ينفعكم الاعتذار والندم اليوم فأنتم وقرناؤكم اليوم مشتركون في العذاب كما كنتم مشتركين في الدنيا في الكفر.
{أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} يعني الكافرين الذين حقت عليهم كلمة العذاب لا يؤمنون.
{فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ} بأن نميتك قبل أن نعذبهم، {فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ} بالقتل بعدك.
{أَوْ نُرِيَنَّكَ} في حياتك، {الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ} من العذاب، {فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ} قادرون، متى شئنا عذبناهم، وأراد به مشركي مكة انتقم منهم يوم بدر، هذا قول أكثر المفسرين، وقال الحسن وقتادة: عنى به أهل الإسلام من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم نقمة شديدة في أمته، فأكرم الله نبيه وذهب به ولم يره في أمته إلا الذي يقر عينه، وأبقى النقمة بعده. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أري ما يصيب أمته بعده فما رئي ضاحكًا منبسطًا حتى قبضه الله.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7